يوسف زيدان اسمٌ لامع في سماء الثقافة العربية، يجمع بين عمق التراث وحداثة الفكر، بين الفلسفة والأدب، بين البحث الأكاديمي والإبداع الروائي. وُلد في مدينة سوهاج المصرية عام 1958، ليشق طريقه بعيدًا عن المألوف، حاملًا معه رؤيةً فريدة تجمع بين المنهج العلمي والرؤية الصوفية، بين التاريخ والحاضر.
بين الفلسفة والتصوف
تخصص زيدان في الفلسفة الإسلامية وتاريخ العلوم، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة القاهرة. لكنه لم يكتفِ بالبحث الأكاديمي الجاف، بل سعى إلى كشف الجوانب الإنسانية والروحية في التراث العربي الإسلامي. في كتبه مثل “اللاهوت العربي” و”فقه الثورة”، قدم قراءاتٍ نقديةً جريئةً للتراث الديني والفلسفي، مما أثار جدلًا واسعًا بين المثقفين ورجال الدين.
لكن زيدان لم يكن مجرد باحثٍ أكاديمي، بل كان صوفيًا بقلبه، منجذبًا إلى عالم التصوف ومدارسه، خاصةً ابن عربي والحلاج. في كتابه “متون الأزهر”، حاول أن يقدم رؤيةً متوازنةً بين العقل والقلب، بين الشريعة والحقيقة، مما جعله أحد أبرز المفكرين الذين حاولوا التوفيق بين التراث والحداثة.
الرواية: بوابة إلى العالم
إذا كان زيدان قد أثرى المكتبة العربية بأبحاثه الفلسفية، فإنه أيضًا ترك بصمته في الأدب من خلال رواياته التي لاقت نجاحًا كبيرًا. روايته “عزازيل”، التي فازت بالجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عام 2009، كانت نقلةً نوعيةً في مسيرته. من خلال قصة الراهب المسيحي في القرن الخامس الميلادي، استطاع زيدان أن يطرح أسئلةً وجوديةً حول الإيمان والشك، حول السلطة والمعرفة، بلغةٍ أدبيةٍ راقيةٍ جمعت بين العمق الفكري والجمال الروائي.
ثم جاءت روايات أخرى مثل “النبطي” و”فردقان” لتعمق هذه الرؤية، حيث مزج زيدان بين التاريخ والخيال، بين الوثيقة والسرد، ليقدم أعمالًا تجذب القارئ العادي والمتخصص في آنٍ واحد.
الجدل والإرث الثقافي
لم يكن يوسف زيدان بعيدًا عن الجدل، فقد واجه انتقاداتٍ حادةً من بعض التيارات الدينية والمحافظة بسبب آرائه الجريئة حول التراث الإسلامي والمسيحي. لكنه ظلّ صامدًا في دفاعه عن حرية الفكر والبحث، معتبرًا أن النقد هو طريق التقدم.
اليوم، يبقى يوسف زيدان أحد أهم المثقفين العرب الذين جمعوا بين الأصالة والمعاصرة، بين البحث العلمي والإبداع الأدبي. سواءٌ اتفقنا معه أم اختلفنا، فإن إسهاماته تظل إضاءةً في طريق الفكر العربي الحديث، داعيةً إلى حوارٍ متجددٍ بين التراث والحداثة، بين العقل والروح.